دراسة ميثولوجية عن الجحيم في المفهوم التراثي والقرآن الكريم:
تاريخ الجحيم: الجحيم كمفهوم تطوّر عبر العصور من تصورات غامضة عن العالم السفلي إلى رمز فلسفي وأخلاقي للعقاب والعدالة، متأثراً بثقافات متعددة وأديان متنوعة. منذ بدايات الفكر الديني، لم يكن الجحيم مجرد مكان للعذاب، بل فكرة قوية استخدمت لترسيخ القيم الأخلاقية وردع السلوك المنحرف. في الحضارات القديمة مثل المصرية والرافدية، ارتبط الجحيم بعالم سفلي مظلم تستقر فيه أرواح الموتى، دون أن يكون بالضرورة مكاناً للعقاب. أما في الديانات السماوية، فقد تطور المفهوم ليصبح مكاناً أبدياً للعذاب يُخصص للخطاة والمذنبين، كما في الإسلام والمسيحية واليهودية. ومع الفلسفة الحديثة، بدأ يُنظر إلى الجحيم كرمز للاغتراب عن الحقيقة أو كأداة للسيطرة الاجتماعية والسياسية. ورغم اختلاف التصورات، يبقى الجحيم تجسيداً لفكرة العدالة المطلقة والعقاب الأخلاقي في الخيال الإنساني shobbakmedia.com marayana.com.
الجحيم في الفلسفة القديمة: في الفلسفة القديمة، لم يكن الجحيم مجرد مكان للعقاب، بل رمزاً عميقاً لفهم النفس والعدالة والوجود. في الفكر اليوناني، صوّر أفلاطون الجحيم كمرحلة تطهيرية تمر بها الأرواح بعد الموت، حيث تُحاسب على أفعالها قبل أن تنتقل إلى عالم الأرواح أو تعود إلى الحياة، بينما رأى أرسطو أن الفضيلة والعقل هما طريق النجاة، دون تركيز على العقاب الأخروي. أما الرواقيون، فاعتبروا الجحيم حالة داخلية من الاضطراب والجهل، لا مكاناً فعلياً. وهكذا، استخدمت الفلسفة القديمة الجحيم كمجاز لفقدان الحكمة والانسجام، أكثر من كونه تصوراً ميتافيزيقياً للعذاب الأبدي.
الجحيم في الفلسفة الحديثة: في الفلسفة الحديثة، تحوّل الجحيم من تصور ديني إلى رمز وجودي يعكس معاناة الإنسان في عالم يفتقر إلى المعنى أو العدالة المطلقة. بدأت الفلسفة الحديثة، منذ عصر التنوير، بإعادة النظر في المفاهيم الدينية ومنها الجحيم، حيث رأى ديكارت أن العقل هو أساس النجاة لا الخوف من العقاب، بينما اعتبر كانط أن الجحيم ليس مكاناً بل نتيجة لانحراف الإرادة الأخلاقية. لاحقاً، قدّم هيغل ونيتشه رؤى أكثر راديكالية، إذ اعتبر نيتشه أن الجحيم هو العيش في ظل قيم زائفة تفرضها الأخلاق التقليدية. أما سارتر، فصاغ واحدة من أشهر العبارات: “الجحيم هو الآخرون”، مشيراً إلى أن العذاب الحقيقي يكمن في العلاقات الإنسانية المشوهة والافتقار إلى الحرية. وهكذا، أصبح الجحيم في الفلسفة الحديثة تجربة داخلية تعكس اغتراب الذات، لا مجرد عقوبة أخروية معرفة Archive.
الجحيم في الموروث الإسلامي : الجحيم في الموروث الإسلامي يُجسّد العدالة الإلهية، ويُعدّ داراً للعذاب الأبدي للكافرين والمذنبين، كما ورد في القرآن والسنة، مع وصف تفصيلي لطبيعته وطبقاته وأهله. في التصور الإسلامي، الجحيم أو جهنم هي أحد الدارين الأخرويتين، تقابل الجنة، وتُذكر في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة، بوصفها مكاناً للعذاب الإلهي لمن كفر بالله أو ارتكب الكبائر دون توبة. تتعدد أسماء الجحيم في النصوص، مثل سقر، الحطمة، لظى، الجحيم، الهاوية، وكل اسم يعكس جانباً من العذاب أو نوعاً من العقوبة ويكيبيديا. وقد ورد في الحديث النبوي أن نار جهنم تفوق نار الدنيا بسبعين ضعفاً، وأن فيها زمهريراً شديد البرودة، مما يدل على تنوع العذاب فيها ويكيبيديا. الجحيم في الموروث الإسلامي ليس فقط مكاناً مادياً، بل يحمل دلالات تربوية وروحية؛ فهو يذكّر الإنسان بعاقبة الظلم والكفر والفساد، ويحثه على التوبة والعمل الصالح. كما أن وصف الجحيم في رحلة الإسراء والمعراج، خاصة في المخطوطات مثل “معراجنامه التيمورية”، يُظهر تمثيلات فنية للجحيم كرمز للعقاب الإلهي، حيث تُصوّر أرواح المعذبين في مشاهد بصرية تهدف إلى التأثير الوجداني والتربوي naboo.uobabylon.edu.iq.ويُقسّم الجحيم في بعض التفاسير إلى طبقات أو درجات، تختلف بحسب نوع الذنب، ويُعتقد أن المنافقين في الدرك الأسفل منها، كما ورد في قوله تعالى: “إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار” (النساء: 145). أما أهل الجحيم، فقد وردت صفاتهم في القرآن ونهج البلاغة، مثل الكفر، النفاق، الظلم، والتكذيب بالآخرة، مع التأكيد على أن باب التوبة مفتوح حتى لحظة الموت anb.journals.pnu.ac.ir.الجحيم في الإسلام إذن ليس مجرد عقوبة، بل أداة تربوية تهدف إلى تهذيب النفس وتذكيرها بعواقب الأفعال، وهو جزء من منظومة أخروية متكاملة تعكس عدالة الله ورحمته.
الجحيم في القرآن الكريم: هي ليست النار ويل سقر أو حتى الحطمة, فلا ترادف ومرادفات في القرآن الكريم. الجحيم في القرآن الكريم هي رمز لكل من قدم هواه على الوحي (جحه كما يسمى في الموروث) والجاح عكس الحاج, حيث ان الحاج يقدم الوحي الإلهي لتوجيهه بينما ( الجاح من أصحاب الجحيم ) يقدم وجهته وتوجهه على الوحي الإلهي. فيكون من الغاوين في الدنيا. يقول القرآن: (وبرزت الجحيم للغاوين). الشعراء 91
الخلاصة: الجحيم قرآنيا هي حالة ووضع كل من قدم وجهته على الوحي الإلهي في المسائل المعرفية والعلمية, فهو في الجحيم. وليست فرن كبير ينتظرك بعد الموت, ومثال على ذلك: كل من يقول الأرض مسطحة فهو في جحيم توجهاته يذوق ويلات الجهل والتخلف, ويعاني من عواقب رفض الوحي الإلهي الكوني الذي مد به أهل الذكر والمذاكرة في الفيزياء خاصة والعلوم عامة. وكل من يخالف الرؤية القرآنية فهو عدو للقرآن العظيم.



